ب- في وفرة مصادر الثروة الطبيعية في رقعة الشرق الإسلامي ، وتمثيل هذه المصادر العديدة لوجهة اقتصادية سليمة قوية ، ولاكتفاء ذاتي ، لا يدع المسلمين في حاجة مطلقاً إلى أوروبا أو إلى غيرها إذا ما تقاربوا وتعاونوا .
ت- خصوبة النسل البشري لدى المسلمين ، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة ، ثم يقول (أشميد) : ( فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث ، فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة ، وتوحيد الله ، وغطت ثروتهم الطبيعية حاجة تزيد عددهم ، كان الخطر الإسلامي خطراً منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله) ، ثم يقترح (أشميد) أن يتضامن الغرب شعوباً وحكومات ويعيدوا الحروب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر !! ولكن بأسلوب نافذ حاسم !! ولو تأملنا كتاب (أشميد) جيداً لاكتشفنا بسهولة أنه يتحدث عن (صدام الحضارات) دون أن يستخدم هذا المصطلح، ويتحدث عن ضرورة تفكيك عناصر القوة في العالم الإسلامي ، ويتحدث عن ضرورة غزو عسكري غربي في عقر دار العمق الإسلامي قبل أن يتحول هذا الحاضر الإسلامي إلى مارد يهدد أوروبا بالفناء !! وهي تحليلات سبق بها مدرسة (صدام الحضارات) في أمريكا !! وهي دعوة لصناعة شرق أوسط جديد تضمن فيه أوروبا دوام العجز الإسلامي !! وهي دعوة لأوروبا كي تتحد وكي تعود إلى حملاتها الصليبية تحت مسميات جديدة ، وبذلك يكون (أشميد) أذكى من (بوش الإبن) الذي أعلنها حرباً صليبية غربية على المكشوف ، عندما بدأ يستعد لغزو أفغانستان ، ثم غزو العراق ، ثم الانتشار في العمق الإسلامي !! ولذلك فإن الدور العدائي الذي تقوم به أمريكا ضد الحاضر الإسلامي على صعيد مفكريها وسياسييها ليس جديداً بكل ما قدم من أفكار مثل فكر (صدام الحضارات) ومن مشاريع مثل مشروع (الشرق الأوسط الجديد) ، بل أن هذا الدور العدائي الأمريكي فكراً ونهجاً هو استمرار للدور الغربي السابق شبراً بشبر وذراعاً بذراع سوى بعض المتغيرات التي تقتضيها قبل كل شيء المصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
ومن الضروري أن نعلم أن روح هذه الوثائق ومعانيها وما تحمل من أفكار ومشاريع قد واصل العالم الغربي الحديث عنها شفاهة أو كتابة ، وواصل تحديد علاقته مع العالم الإسلامي على ضوئها حتى اليوم ، وعلى سبيل المثال فها هي مجلة روز اليوسف تنقل في عددها الصادر بتاريخ 29/6/1963 لأحد المسئولين في وزارة الخارجية الفرنسية ما قاله عام 1952م وقد جاء فيه ما يلي :" ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي ، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي ، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة ، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد ، دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية ، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في النطاق الواسع ، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين ، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ، ويقذفون برسالتنا إلى متاحف التاريخ ، وقد حاولنا نحن الفرنسيين خلال حكمنا الطويل للجزائر أن نتغلب على شخصية الشعوب المسلمة ، فكان الإخفاق الكامل نتيجة مجهوداتنا الكبيرة الضخمة ، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، عملاق لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافاً تاماً ، فهو حائر وهو قلق ، وهو كاره لانحطاطه وتخلفه ، وراغب رغبة يخالطها الكسل والفوضى في مستقبل أحسن وحرية أوفر .. فلنعط هذا العالم الإسلامي ما يشاء ، ولنقو في نفسه الرغبة في عدم الإنتاج الصناعي والفني حتى لا ينهض ، فإذا عجزنا عن تحقيق هذا الهدف ، بإبقاء المسلم متخلفاً ، وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه ، فقد بؤنا بإخفاق خطير ، وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطراً داهماً ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم " . ولو تأملنا أقوال هذا المسئول الفرنسي لوجدنا أنها تحمل روح أفكار (أشميد) الألماني وتدعو في سطرها الأخير إلى ( صدام حضارات) اضطراري وفق رؤية هذا المفهوم الفرنسي ، لأنه وفق رؤيته لا يمكن التعايش بين الحضارة الإسلامية وبين الحضارة الغربية , وحتى تحافظ الحضارة الغربية على بقائها وتفوقها يجب عليها أن تمنع انبعاث جديد للحضارة الإسلامية !! هكذا يفكر هذا المسؤول الفرنسي وإذا افترضنا أنه يعبر عن فكر المؤسسة الفرنسية الرسمية فعندها سنفهم لماذا تبنت فرنسا إقامة المشروع الذري الإسرائيلي في ديمونا والذي عُرف باسم (خيار شمشوم) !! ولماذا منعت فرنسا الحجاب الإسلامي في أراضيها !! ولماذا كانت فرنسا اللاعب الأساس في صياغة قرار مجلس الأمن الأخير رقم (1701) الذي يطمعون من ورائه القضاء على مفهوم الجهاد في العمق الإسلامي ، وها هو أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م يقول :" إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي ، فلسفته، وعقيدته، ونظامه وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي ، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي ، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام ، والى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية ، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها " ، فهذا روستو لا يخفي ما يريد !! إنه يريد تدمير الحضارة الإسلامية ، وتبني دولة إسرائيل ، والسير خلف خُطى العالم الغربي المحاربة للإسلام.
والآن لنستعرض مقومات الأمة الإسلامية:
لم تقم أمة من الأمم قديماً أو حديثاً إلا بمقومات تتظافر في لم شعثها ووحدة كلمتها ومواقفها ، وهذه المقومات كالآتي :
الأول : العقيدة التي تؤمن بها الشعوب وتقدسها وترتبط بها .
وعلى وجه اليقين التام ليس ثمة عقيدة تصدق بها النفوس ، وتطمئن لها القلوب ، وتبني الدنيا والآخرة ، وتجيب عن كل التساؤلات عن الله تعالى ، وما يجب له وما يمتنع عليه ، وعن الحياة والكون والإنسان وما فيها ، والموقف من ذلك كله ، وعن المصير ، سوى هذه العقيدة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها سلف هذه الأمة ، كما قال تعالى على لسان رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وكما قال تعالى : قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، إن هذه العقيدة هي التي سلمت من التحريف والتغيير والتبديل ، وهي التي تقنع العقل ، و تلبي نداء الفطرة ، كما أكد الشرع الحنيف أن كل إنسان فطر مسلماً ، " فعن أبي هريرة رضي الله عنه كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) . ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ; فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
فالعقيدة الإسلامية هي أساس حياة المسلمين، وأساس الحكم، وأساس العلاقات، والإيمان بالله هو أساس هذه العقيدة. هذه العقيدة إذا قويت في نفوس المسلمين قوي المسلمون وعزّوا وسادوا، وإذا ضعفت ضعفوا وخضعوا واستكانوا. قوة العقيدة في نفس المسلم تجعله لا يخاف الموت لأنه يعتقد أن الأجل محدود، ولا يخاف على رزقه لأنه يعتقد أن الرزق بيد الله وليس بيد غيره، ولا يخشى قتال الأعداء الكفار لأنه يؤمن أن الشهادة مطلب لكل مسلم، ولا يبخل في الإنفاق بماله مرضاة لله، لأنه يؤمن أن ما عنده ينفد وما عند الله باق، ولا يطأطئ رأسه ذلاً أمام كافر أو حاكم ظالم لأنه يؤمن أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
قال تعالى: ;فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) .وقال تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون0; وقال تعالى: ;وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وحين اجتمع سادة قريش في بيت أبي طالب ليكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إذا أعطيتموني كلمة حكمتم العرب ودانت لكم العجم)، قال أبو جهل: (بلى وجدّك نعطيك عشر كلمات. فما هي؟) قال عليه الصلاة والسلام: (قولوا: لا إله إلاّ الله واخلعوا ما دونه من أنداد) . فهذا دليل واضح على أهمية العقيدة وأثرها العظيم، فالمسلمون في كل زمان ومكان إذا قالوا هذه الكلمة بحقها عزوا وانتصروا وسعدوا، وحقها العمل بأحكام الإسلام كلها، قال تعالى; كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها)
والمسلمون – بمقتضى هذه العقيدة - أمّة واحدة، قال تعالى: \ كنتم خير أمّة أخرجت للناس; ;إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون ;وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ; , وهم إخوة متحدون متعاونون، قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة;. , وقال: واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره). وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) , فلا يجوز للمسلم العربي أن يعتبر المسلم الإيراني عدواً، أو أجنبياً، ولا المسلم التركي أو الباكستاني غريباً وخصماً، ولا يجوز للمسلم الأردني أن يعتبر المسلم الفلسطيني غريباً عنه، ولا يجوز للمسلم السوري أن يعتبر المسلم اللبناني أو الفلسطيني خصماً وغريباً عنه، وإذا دخل المسلم الفلسطيني في حرب مع اليهود، فإنه لا يحل للمسلم السوري أو الأردني أو المصري أو الاندونيسي أن يعتبروا أنفسهم في سلام مع اليهود، قال صلى الله عليه وسلم: (وأنّ سِلْم المؤمنين واحدة)، فالأمّة الإسلامية يجب أن تبقى أمّة واحدة حربها حرب واحدة، وسلمها سلم واحد، وهذا لا يتأتى إذا بقيت الأمّة الإسلامية مجزأة. فحتى يتحقق في المسلمين حكم الله لا بد من أن يكونوا جميعاً تحت راية واحدة هي راية لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، وينقادون لإمام واحد هو خليفة المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما).
والوحدة بين البلاد الإسلامية هي الأساس، إذ أن الحكم الشرعي يوجِب على المسلمين أن تكون بلادهم كياناً واحداً، ودولة واحدة، وأن يكون حاكمهم واحداً. كما أن الحكم الشرعي يحرم على المسلمين أن تكون بلادهم كيانات ودولاً، وأن يكون لهم أكثر من حاكم واحد، وذلك لورود الأحاديث الصحيحة التي توجب أن يكون المسلمون جميعاً في دولة واحدة، وأن يكون حاكمهم واحداً.
وقد قررت العقيدة الإسلامية أحكاما تمنع من التفرق وتوجب الوحدة بين المسلمين ومنها :
-الرابطة التي تربط المسلمين هي رابطة العقيدة حيث قال جل شأنه : ;إنما المؤمنون إخوة;
- حذر الله تعالى من ابتغاء العزة من الكافرين فقال تعالى :; الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً; , وقال تعالى : ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ;. والمقصود تحريم إقامة التكتلات والتحالفات العسكرية والاقتصادية وغيرها معهم .
- المرجعية التي يرجع إليها المسلمون عند الاختلاف والتنازع واحدة وهي كتاب الله وسنة رسوله حيث قال جل شأنه : يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً;.
- حرمت التفرق والاختلاف بين المسلمين على غير أساس الإسلام سواء كان على أساس عرقي أو طائفي أو وطني أو غيره حيث قال جل شأنه : ;وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ; ولابد هنا من لفت النظر إلى أن الحكم الشرعي أن الدفاع فرض على المسلمين عن كل بلد من بلاد الإسلام بوصفها بلادا إسلامية لا بوصفها وطنه , وكانت أيضا الدعوة إلى الاشتراكية، والديمقراطية الرأسمالية لا تجوز بأي حال من الأحوال, فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والاشتراكية , والديمقراطية الرأسمالية ليستا من الإسلام فضلاً عن أن الاشتراكية منبثقة عن المادية وهي عقيدة كفر, والديمقراطية الرأسمالية منبثقة عن فكرة فصل الدين عن الحياة وهي عقيدة كفر أيضا .
وأوجبت ترك الأفراد وعقائدهم وأديانهم وعباداتهم على أن تبقى فردية لا جماعية وأن لا يكون لها كيان في داخل كيان الإسلام، ولذلك يَمنع الإسلام وجود أحزاب أو تكتلات سياسية غير إسلامية تقوم على أساس يناقض الإسلام، ويسمح بالأحزاب والتكتلات داخل حدود الإسلام، وهكذا يقتضي الإيمان بالمبدأ إفراده وحده بالمجتمع، وأن لا يشترك معه سواه
- جعلت وحدة الأمة قضية مصيرية يتخذ تجاهها إجراء الحياة أو الموت إذ حرص الإسلام كل الحرص على إقامة جماعة واحدة تكون هي النواة الأولى للأمة الإسلامية ، ولأجل ذلك رغب القرآن الكريم في الهجرة إلى المدينة النبوية أجمل ترغيب ، فقال تعالى : وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً